الأحد، 5 فبراير 2017

بين حنايا الذاكرة 2 .... لله درك يا أبتي

تطوان العتيقة
المجتمع

بين حنايا الذاكرة 2

لله درك يا أبتي



بقلم : كوثر ابن عبد الوهاب

لم تفارقني صورة والدي – رحمه الله- وهو يقرأ احدى كتبه التي اقتناها من المكتبات القديمة، أو من من يفترشون الكتب لبيعها بأقواس المدينة العتيقة.
 كنت ألاحظ توحده الروحي مع كتابه في عالم منعزل عن محيطه، يعيش لحظات مضيئة امتدادا لما يقرأ...غائب ..لا يعيده إلينا إلا سعاله المزمن الذي يباغته بين الفينة و الأخرى.. و سرعان ما يعود  ليختفي بين دفتي كتابه .. يهيم  بين أوراقه الصفراء المهترية التي تنبعث منها رائحة الرطوبة ..و بشراهة مغلفة  بهدوء تام .. يقتحم  كتابه، ليبحر بعوالم الإبداع و الخيال و المتعة و الالهام ... التي ما كان ليهتدى اليها  لولا معشوقه الذي هام به، ومن أجله  قرر الالتحاق  بمحو الأمية...  عندما أيقن بفطرته و غريزته  أن ما بين دفتيه  حيوات و عوالم أبى إلا أن يكون له بها صولات و جولات. 
من أجل معشوقه كان أحيانا يعود للبيت خالي الوفاض ... متأبطا كتابا أو اثنين، لتلقاه  والدتي  بتذمر و سخط شديدين، بينما كانت تنتظره ليعود بأغراض  لتحضير ما يسد رمقنا ....لكن ينتهي بنا الامر بوجبة من مطعم شعبي .. 
صورته وهو جالس بباب البيت أو بمقهى الحي و بيده كتاب يقرأه كانت و بدون سابق انذار تبعث في احساسا بالفخر... على الرغم انني كنت بمرحلة لا أفقه بعد أهمية القراءة ....
اليوم اكتملت الصورة..
أبي العزيز.. لم تشتري يوما لي قصة و لم يسبق أن قدمت لي كتابا هديه.. لم تقل اقرئي يا طفلتي لأن القراءة مفيدة، ستوسع مداركك.. و ستنمي ثقافتك.. و سوف تتعرفين على عوالم أخرى بعيدة عن عالمك ..ستعيشين الاحلام و الآمال و الأحزان، و تشقين دروب الحياة الوعرة بين دفتي كتاب .....لم ..و لم...و لم... لكنك يا اغلى من روحي، تركت الفضول يتلاعب بأفكاري.. و في محاولة مني لتفسير تعبيرات وجهك بينما كنت أطالعك و تأرجحها ما بين ابتسامة و تجهم ...فرح ، حزن و تعجب.. حاولت تقليدك ليس الا،  مارست عادتك بالقراءة... فكانت النشوة...  
 بعدها علمت سبب مرونتك..  عمق فهمك للحياة و الاشخاص... أيقنت أن حياة واحدة لم تكن لتكفيك...و مكان واحد لم يكن ليستوعبك... 
بين حنايا صمتي ... و أنا منهمكة في سبر أغوار كتاب ما.. و إسقاط أحداثه ومجرياتها على واقعي ...أبوح لذاتي بحنيني و رغبتي بمشاركتك قراءة كتاب.. فيزورني طيفك ملبيا لإرضائي....
ف لله درك يا أبتي، مررت الرسالة دون جهد او مشقة او عناء ...و التقطتها بانقياد دون مشاكسة او عناد...
و للحديث بقية 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق