الثلاثاء، 14 مارس 2017

"ثلاثية غرناطة" و الجرح الذي لم يندمل ..

تطوان العتيقة
أدب وفـــن

"ثلاثية غرناطة" و الجرح الذي لم يندمل ..




ذ . كوثر ابن عبد الوهاب

رضوى عاشور كانت محور حديثي أنا و أحد الاصدقاء المهتمين بالقراءات الادبية العربية و العالمية، و الذي عادة ما أستشيره في اختياراتي القرائية. طال حديثه عنها، أعطاني نبذه عن حياتها و أسرتها الصغيرة - و أنا المعجبة بابنها تميم الذي يصدح بشعره معبرا عن آفاتنا العربية، وتبقى بردته اروع قصائده في مدح الحبيب المصطفى الذي سار فيها على غرار البوصيري  و أحمد شوقي  -   صال صديقي  و جال بين عناوين رواياتها، و بمفردات المدح و الإعجاب بكتاباتها ..
قررت أن أخوض غمار أحداث احدى رواياتها ..اطلعت على مجموعتها الأدبية، و أول ما شدَّني عنوان "ثلاثية غرناطة". انتهيت منها في ثلاثة أيام، كل مرة كنت أضعها جانبا و لا أنوي الرجوع إليها  لما تحدثه  في أوصالي من قشعريرة، و هي  تتلاعب بجرحي الغائر.. بل جرح أمة بأسرها، و لكن بعد سويعات قليلة تجرني إليها عنوة،  لأكتشف أني حتى بعد الإبتعاد عنها، كنت جالسة أنقب بمحرك البحث "غوغل" عن كل الأسماء و الأماكن التي مررت عليها بالرواية، فيزيد الجرح  نزيفاااا...و أنا أطلع على تاريخ  و حضارة أمة، بعد ثمانية قرون من حكم تَـليد، أفل نجمها عندما اختار حكامها الركون إلى الدنيا،  فتناحروا على الملك، و وسَّدوا الأمور لغير اهلها، .و ضاعت  بين جلسات مجون و شرب خمر، و رقص جواري و غناء قَـيـنات ، فاصبح الأمر هيِّنا على المتربصين ..
مذ ابحرت بمركب " ثلاثية غرناطة" لا تفارقني أحياءها  و نهريها  "شانيل" و "حدره" و بيوت البيازين و باحاتها مخيلتي، اتطلع الى صورها بالعالم الافتراضي و اتمتع بمنظر سريالي يعيدني الى الزمن الجميل، و بمجرد أن  أغمض جفني ساعات الليل  تتجسد أمامي محاكم التفتيش، و ما عاناه أهل عروس الاندلس على ايديهم.. و غثيان ينتابني بينما تتناهى إلى مسامعي طرطقة النار بالحطب، و هي تلتهم الكتب تارة و الأجساد تارة أخرى . 
تتجاوز رضوى  السرد التاريخي، لتغوص بك في عمق الحياة الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية  بفترة كان فيها الوجود الاسلامي بالاندلس يلفظ انفاسه الاخيرة، و ذلك  بسرد أدبي ممتع.
 أخذتني لجج الخيال إلى الضفة الأخرى التي طالما احسست بانتمائي التاريخي، الروحي ، الثقافي و الفكري و اللغوي و الفني لها.
 شعرتُ مع آخر كلمة بوهن شديد تسرب إلى روحي،  و زخم من الأفكار تتلاعب بذهني ..أخذت القلم  لأتخلص من تضارب الأحاسيس و الأفكار في جلسة تفريغ ذهني، و أنا استمع لوصلات موسيقية من الموشح الاندلسي "جادك الغيث" لصاحبها  لسان الدين ابن الخطيب الذي يحكي فيها عن أيامه السعيدة في غرناطة و تحسره وهو يقول:
 جادك الغيث اذا الغيث همى * يا زمان الوصل بالأندلس
 فتمخض عن هذه اللحظة التي توحدت فيها مع التاريخ، قصيدة جرح لم يندمل.





" جرح لم يندمل"

ثلاثية غرناطة حركت بركانا حسبته  قد خمد.
فإذا بالفؤاد جرح غائر ... بقصتك رضوى قد جَفل.
آه غرناطةّ!  يبكيك  قلبي دما .. و الدمع تحجر بالمُقل.
قطعة من الفردوس بها النور تعتم...تحكي عن ضيم بأرضها و أهلها قد حلّ.
سلم الصغير المفتاح و بمعاهدة كاذبة قد رحل.
و خلف مجد أمة قد بناه الاجداد بدمائهم.. من ورائه للكفر، و لم يزل.
فهبَّ العدو و ما استكان الا و لخيراتها قد استحلّ.
نصَّر، و نكَّل، و حرَّق ، و هجَّر، و استذل...
و نصرة من المغرب و المشرق غرناطة لم تنل.
ليصبح المسلم بأرضه موريسكيا ...يخاطب خطابا مبتَـذل.
للإسلام تنكروا عنوة.. و دين محمد عن الأحفاد انبتل.
بين البقاع تشتتت أصولهم.. و تجرعوا الخذلان من الغُرْب و الأَهل.
مازال غرناطة بالفؤاد عشقك، و عشق أندلس فيك قد اختزل.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق